‫الرئيسية‬ مقالات اتّخاذ الصور و رسمها و التقاطها
مقالات - فبراير 12, 2020

اتّخاذ الصور و رسمها و التقاطها

 

الأستاد محمد شريف الفيضي

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي صوّر الإنسان في أحسن تقويم، والصلاة والسلام على حبيب الله الكريم، وعلى آله وأصحابه الكرام، أمّا بعد.

فنريد ههنا مجرّد بحث عن بعض القضايا الفقهيّة المعاصرة، باعتماد على أقوال الأئمة الشافعيّة في كتبهم المعتمدة، أوّلا، أرتكز في هذا البحث على ثلاثة مواضيع، أحدها: التصوير بالصور المجسّمة، وثانيها: رسم الصور ونقشها، وثالثها: التقاط الصور بالأجهزة الإلكترونيّة مثل الكاميرا والجوّال وغيرها.

الأوّل: تعريف التصوير

وفيما يلي بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبويّة الدالّة على ما أردنا.

قال الله تعالى: هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء(آل عمران- 6)

وقال تعالى: ولقد خلقناكم ثم صوّرناكم (أعراف-11)

وقال أيضا: هو الله الخالق البارئ المصوّر(حشر-24)

وأردف قائلا: الذي خلقك فسوّاك فعدلك في أيّ صورة ما شاء ركّبك(انفطار-7,8)

وأمّا الأحاديث في صلب هذا الموضوع فكثيرة جدّا، نورد بعضا منها

قال صلى الله عليه وسلم: “إنّ الذين يصنعون هذه الصور يعذّبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم”(متفق عليه)

وقال صلى الله عليه وسلم:”يا عائشة! أشدّ الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله”(متفق عليه)

وقال أيضا: “من صوّر صورة في الدنيا كلّف أن ينفخ فيه الروح يوم القيامة وليس بنافخ”(متفق عليه)

وقال صلى الله عليه وسلم: لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة (متفق عليه)

قال  علي بن أبي طالب(ر): “ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم”؟

أن لا تدع صورة إلاّ طمستها، ولا قبرا مشرفا إلاّ سوّيته (رواه مسلم)

هذه النصوص الواردة من الآيات القرآنية والأحاديث النبويّة تقرّر أنّ الخالق المصوّر الوحيد هو الله تعالى لا غير، فلا يحلّ لأحد أن يجترئ على ربّه تعالى فيضاهي الله في خلقه وتصويره.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي الحديث دليل على تحريم التصوير  (فتح الباري)

وقد ترجم لهذا الباب الإمام النووي رحمه الله بقوله: باب تحريم تصوير الحيوان. (رياض الصالحين)

وقال النووي رحمه الله: قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث، وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره، فصنعه حرام بكل حال لأن فيه مضاهاة بخلق الله، وسواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو غيرها  وأمّا تصوير صورة الشجر ورحال الإبل وغير ذلك ممّا ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام. (شرح مسلم)

قال الإمام الماوردي رحمه الله: لا فرق في تحريم صور ذات الأرواح من صور الآدميين والبهائم، ولا فرق بين ما كان مستحسنا منها أو مستقبحا (الحاوي الكبير)

قد وجد أمثال هذه العبارات المذكورة في كثير من الكتب الفقهية الشافعية. فأوردنا بعض العبارات ممّا بين أيدينا.

قال القسطلاّني رحمه الله: قال ابن العربي: حاصل ما في اتّخاذ الصورة أنّها إن كانت ذات أجسام حرم بالإجماع، وإن كانت رقما فأربعة أقوال (إرشاد الساري)

فعلم من هذه العبارات للأئمّة الكرام أنّ هناك إجماعا في تحريم اتّخاذ الصور المجسّمة وحفظها، فإن حرمتها محلّ اتفاق إن كانت من ذوات الأرواح من إنسان أو سائر حيوانات، أمّا غير الصور المجسّمة فمحلّ خلاف بين الأئمّة الكرام، فمنهم من صرّح بالحرمة مطلقا خوفا من أن يكون ممّا هو داخل تحت عموم الأحاديث الدالّة على النهي عن التصوير، ومنهم من حرّم إذا كانت الصور ذات جسم من الحيوانات ووجّهوا أنّ الأحاديث الواردة في النهي عن التصوير إنّما هي في التي يضاهي العبد بها خلق الله، وهو يكون في الصور المجسّمة. قد استثني من تحريم اتّخاذ الصور المجسّمة لعبة البنات.

حكم لعب البنات

اللعب جمع لعبة، اسم للشكل الذي تسمّيه البنات عروسة، قال في فتح المعين: نعم، يجوز تصوير لعب البنات لأن عائشة رضي الله عنها كانت تلعب بها عنده صلى الله عليه وسلم كما في مسلم، حكمته تدريبهن أمر التربية (فتح المعين)

قوله كما في مسلم أي والبخاري أيضا، وعبارته حدّثنا هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم أي بالتماثيل المسمّاة بلعب البنات (صحيح المسلم)

واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ اللعب من أجل لعب البنات بهنّ، وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه جزم القاضي عياض، ونقله عن الجمهور وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدريبهنّ من صغرهنّ على أمر بيوتهنّ وأولادهنّ (قسطلاّني)

الثاني: رسم الصور ونقشها

وفي هذا الموضوع حديث مشهور رواه الإمامان المشهوران البخاري ومسلم رحمهما الله وهو فيما يلي.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صوّرها نفس فيعذّبه في جهنّم. قال ابن عبّاس: “فإن كنت لا بدّ فاعلا فاصنع الشجر وما لا روح فيه”. (متفق عليه)

قال الإمام زين الدين المخدوم رحمه الله: ويحرم ولو على نحو أرض تصوير حيوان وإن لم يكن له نظير (فتح المعين) هذا التحريم في فعل التصوير ورسم الصورة، فيحرم مطلقا، أمّا بالنسبة إلى استدامتها وحفظها ففيها أربعة أقوال. قال السيد علوي بن السيد أحمد السقاف رحمه الله: وإن كانت رقما فأربعة أقوال، الجواز مطلقا لظاهر حديث الباب، والمنع مطلقا حتى الرقم، والتفصيل فإن كانت الصور باقية الهيئة قائمة الشكل حرم، وإن قطعت الرأس وتفرقت الأجزاء جاز هذا هو الأصح، والرابع إن كان ممّا يمتهن جاز وإن كان معلّقا فلا (ترشيح المستفيدين)

قال الإمام الماوردي رحمه الله: لا فرق في تحريم صور ذوات الأرواح من صور الآدمين والبهائم ولا فرق بين ما كان مستحسنا منها أو مستقبحا أو ما كان عظيما أو مستصغرا إذا كانت صور حيوان مشاهد، فأمّا صورة حيوان له جناح طير ففي تحريمه وجهان: أحدها يحرم بل يكون أشدّ تحريما لأنّه قد أبدع في خلق الله والثاني: وهو قول أبي حامد المروزي: لا تحرم لأنّه يكون بالتزاويق الكاذبة أشبه منه بالصور الحيوانية. (الحاوي الكبير)

قال زين الدين المخدوم رحمه الله ببيان المنكر الشرعي “ومنه صورة حيوان مشتملة على ما لايمكن بقائه بدونه وإن لم يكن لها نظير كفرس بأجنحة وطير بوجه إنسان على سقف أو جدار أو ستر علّق لزينة أو ثياب ملبوسة أو وسادة منصوبة لأنها تشبه الأصنام. ويجوز حضور محلّ فيه صورة يمتهن كالصور ببساط يداس ومخدّة ينام أو يتّكأ عليها وكذا إن قطع رأسها لزوال ما به الحياة (فتح المعين)

أمّا من حرّم رسم الصورة فقال إنّه مضاهاة بخلق الله تعالى وتصويره، أمّا المجيزون فيحملون النصوص الواردة في النهي على التصوير بالصور المجسّمة، أمّا استدامتها وحفظها فكلام آخر، قد مرّ آنفا بيان الخلاف فيه.

الثالث: الصور الفوتغرافيّة

أمّا الصور الفوتغرافيّة- وهي التي تلتقط بالأجهزة الإلكترونية مثل الجوّال والكيمارا- فإن كانت لغير ذوات الأرواح كالأشجار والبحار فحكمها الجواز بالقياس إلى ما نصّ عليه الأئمة، أمّا إن كانت غيرها كالصور الإنسانية فلا نص فيها في كتب الأئمّة، ومحلّ خلاف بين العلماء المعاصرين، فمن منعها نظر إلى عموم الأحاديث الواردة الدالّة على نهي التصوير، وعليه يحرم عندهم كل أنواع التصوير سوى ما يلتقط عند الضرورة كالبطاقة الهويّة وجواز السفر وغيرها.

أمّا المجيزون فقالوا: إن التقاط الصورة بالآلة ليس فيه مضاهاة لخلق الله وإنما هو من باب نقل صورة صوّرها الله عزّ وجلّ بواسطة هذه الآلة فهي انطباع لا فعل للعبد فيه من حيث التصوير، كما أنّ من أخذ ورقة بخطّ شخص ثم جعلها في آلة التصوير لا يقال عنه: إنّه أتى بما يضاهي خطّ فلان بل إنّه نفس الخطّ، وأردفوا قائلين إنّ الأحاديث الواردة في النهي عن التصوير إنما هي التي تكون بفعل العبد ويضاهي بها خلق الله.

إذا لم تدع الحاجة إلى هذا النوع من التصوير فلا شكّ أن الأولى تركه بعدا عن الشبهة وخوفا من أن يكون ممّا هو داخل تحت عموم النهي.

ثم إنّ محلّ الخلاف ما إذا لم تكن الصورة ممّا لا يجوز النظر إليه وإلاّ كتصوير صورة النساء ومحلّ العورة فهي حرام قطعا ولا يجوز بحال بل هو إثم عظيم وباب شرّ وفتنة يشير إليها ألفاظ السيد علوي بن أحمد السقاف رحمه الله. وانظر ما عمت به البلوى في هذه الأزمنة من اتخاذ الصور المأخوذة رقما بالفوتغراف!!! هل يجري فيه هذا الخلاف لكونها من جملة المرقوم؟ أم تجوز مطلقا بلا خلاف لكونها من قبيل الصورة التي ترى في المرآة وتوصّلوا إلى حبسها حتّى كأنها هي كما تقضي به المشاهدة؟ حرّره فإنّي لم أقف على من تعرّض لذلك من أرباب المذاهب المتبعة، وعلى كلّ ففيما نقلته فسحة للناس وسعة. (ترشيح المستفيدين)

وفي “الحكم الراسخ في صور المشايخ” للعلاّمة أحمد كويا الشالياتي سؤال وجواب في هذا الموضوع، وهو ما يلي:-

“ورد إليّ سؤال، محصّله هل يجوز للمريد أن يأخذ نصف صورة الشيخ بالفوتوغراف في مذهب الحنفيّة أم لا؟ ومرادهم بنصف الصورة النصف الأعلى. فأجبت عنه بما هذا لفظه، ليس معنى تصور الشيخ تصويره واتّخاذ صورته لأنّ التصوير وكذا اتّخاذ الصور منهيّ عنه شرعا”.

“وحصّلت لهم أيضا أجوبة أخرى، منها ما يمنع عن تصوير صورة النصف الأعلى واتّخاذها استدلالا بما في معاني الآثار عن أبي هريرة رضي الله عنه “الصورة الرأس فكل شيئ ليس له رأس فليس بصورة”.

ثمّ أتى العلاّمة جمّة من الأدلّة من عبارات الأئمّة بهذا المعنى.

“ومنها ما يجوّز صنعها واتّخاذها فأقبل النّاس على قبول ما وافق أهوائهم وطابق أرائهم وأعرضوا عمّا سواه واعترضوا على مقتضاه” (الحكم الراسخ في صور المشائخ).

ومما عمت البلوى به تصوير العلماء الكرام والسادات العظام في اللافتات واللوحاث الإعلامية لقصد جمع الناس إلى محاضراثهم ونصائحهم القيمة ، وهذا خلاف ما كان عليه علماءنا من ابتعارهم عن أجهزة كاميرا احتياطا وخوفا للوقوع في الشبهة وخلاف الأحسن

خلاصة البحث

* التصوير بالصور المجسمة حرام وكبيرة إذا كانت من الحيوانات لأن فيه مضاهاة بخلق الله وتصويره، وأمّا حفظه حرام لأنها تشبه الأصنام.

* أمّا تصوير ذي الرّوح بالرسم والرقم والنقش فحرام على الأصحّ، وفي حفظه أربعة أقوال.

* أما تصوير الصورة بآلات التصوير والجوّال وحفظها فإذا لم تدع الحاجة إليه فتركه أولى خوفا من الدخول في العموم.

والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، حسبي الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.

 

 

‫شاهد أيضًا‬

Tricked by Half-Truths

The world is becoming more advanced; information spreads across nations with a single clic…